المتابعون

الأحد، أبريل 24، 2005

من الذي يصنع الديكتاتور؟

من الذي يصنع الديكتاتور ؟
عندما أنظر حولي وأجد كل هؤلاء الديكتاتورات حولنا ... أتعجب وأسأل من صنع كل هؤلاء الديكتاتورات ؟ ولا أقصد بالديكتاتور الحاكم المستبد فقط .... فالديكتاتور قد يكون أباً في بيته أو معلماً في فصله أو مديراً في مصنعه .. قد يكون أنت مع من حولك ....ولكن قبل أن نجيب على السؤال يجب أن نعرف أن الديكتاتور لا يولد ديكتاتور من تلقاء نفسه وأن الشخص لا يبات شخصاً عادياً ويصحو فيجد نفسه ديكتاتوراً وإنما الآخرون هم المسئولين عن هذا التحول بسكوتهم عنه في بداية أمره وخاصةً في الأمور البسيطة التي نتركها تمر مر الكرام فيعطيه ذلك فرصة لأن يزداد في طغيانه ويتشجع في ارتكاب المزيد من جرائمه ( من الذي فرعنك يا فرعون ... لم أجد أحد يحاسبني ) وقد روي انه لما قدم الحجاج العراق وثقل أمره ، اجتمع الناس عند حكيم ، وكان حازما مقداما ، وشكوه الحجاج ، فضرب لهم مثلا بقوله ؛ ـ إن فأسا ، ليس فيه عود ، ألقيت بين شجر ، فقال بعضهم لبعض ، ما القي ها هنا ؟ فقالت لهم شجرة قديمة ، إن لم يدخل في إست هذا عود منكن فلا تخافونه. والديكتاتور عندما يبدأ في النمو فإنه ينمو صغيراً حقيراً لا كبيراً عظيماً تماماً مثل الصنبور الذي تتساقط منه قطرات ماء صغيرة فإن لم تبادر بإصلاح عيبه فإن الصنبور ستزداد قطراته المتساقطة حتى يعظم أمرها ويكثر حجمها ولا تستطيع أن تسيطر عليها ..... وأعود لسؤالي الأول من الذي يصنع الديكتاتور .. أي من الذي يبذر البذرة الأولى في نفس الرجل حتى يتحول لطاغية عظيم يتجبر على من حوله ..... أظن – وليس كل الظن إثم- إنه البيت المسئول الأول عن تلك البذرة التي توضع في نفس الطفل .. فالبيت الديكتاتوري تكون فيه السلطة والتحكم محصور في يد شخص واحد فقط من أفراد الأسرة الأب أو الأم أو حتى الأخ الأكبر ... فيكون هذا الشخص مستبد في قراراته لا يجرؤ أحد على الرد أو التعديل فهو حكمة الله على الأرض التي لا تخطئ أبداً ولذلك لا تقبل لا مناقشة ولا حوار ... ويتم فرض الأمر بالقهر والعنف ولأن هذا الشخص عادة ما يسيطر على رأس المال في البيت فيكون له الكلمة الأولي وإلا سأمنع عنكم أنعمي .... أي أنها تكون سيطرة رأس المال على مقدرات الأمور ... ويخرج من تحت أيدي هذا الشخص أشخاص غير مؤهلين نفسياً لمواجهة مواقف الحياة ولا يستطيعون اتخاذ قرار واضح بدون تردد ولا تحمل أدنى مسئولية ...ويتحول هذا الشخص إلي شخص عنيد لمجرد العند وعنيف مع الآخرين وفي العادة لن يحترم حقوق الآخرين وسيتحول في المستقبل إلي ديكتاتور آخر يمارس على من حوله ما عانى هو منه وهو صغير ... بالطبع لن يكون كل طفل قائدا أو زعيما عندما يكبر.. لكنه سيكون إنسانا مسئولا عن عمل أو أمانة في يده، وربا لأسرة مسئولا عنها، ويمكن أن يكون أحد أسباب نهضة أمته وتقدمها أو أسباب تدهورها ونكبتها ..... وقد يتعجب أحدكم ويتساءل كيف إذن نربي أبنائنا ونتحكم فيهم ونسيطر على سلوكهم وتمردهم .. أقول هناك سيطرة حزم وسيطرة استبداد وقهر .... فحزمك لا يحتاج لصوت عال ولا عنف وإنما يحتاج لإصرار على الموقف وشرح الأسباب والمبررات والتناقش مع الآخرين حتى يشعرون أن القرار قرارهم كلهم وليس فرمان على ووجب التنفيذ في التو والحال ... لذلك فنحن مطالبون بقدر كبير من الديمقراطية والمرونة في التعامل مع أبنائنا وفي داخل بيوتنا ... وقد يقول أحدكم أليس الأمر الذي سيأخذ وقتاً كبيراً في الإقناع والحوار والنقاش سيأخذ وقتاً أقل عندما نصدر أمر واجب التنفيذ بالقوة البحتة ... بالطبع لا .... فنحن لا نملك أطفالنا.. بل نحن مسئولون عنهم.. وبينهما الفرق كبير..نحن مسئولون عن تربية طفل يعرف أن عليه واجبات لا بد أن يؤديها بأمانة وله حقوق لا بد أن يدافع عنها، وأن من حقه أن يقول رأيه ويتناقش، ويسأل حتى يقتنع، وأن يثق أولا في نفسه ورأيه وقدرته على اتخاذ القرار وأن عليه احترام آراء الآخرين والاستماع لها..... وبهذا نضمن على الأقل أن لا يخرج من تحت أيدينا من يستعبدنا بعد ذلك .... وإن كان للمجتمع دور آخر في صنع هذا الديكتاتور ... فما هو دور المجتمع لكي لا يخرج من تحت أيديه ديكتاتور يبرز له أنيابه في النهاية مستعداً لالتهامه .... فعلى المجتمع أن يكون يراقب كل مسئول يتولى مسئولية عامة لا يدع له خطأ دون محاسبة ووقفة له لكي لا يكررها .... ويجب أن يدرك المجتمع جيداً أن الإنسان خارج نطاق السلطة والتحكم شيء وداخل نطاقها وبريقها شيء مختلف تماماً لذلك على المجتمع أن لا يثق ثقة عمياء في فرد كان كلامه معسول ووعوده براقة وطموحاته جبارة قبل تولي المسئولية فعليه أن يتابعه ولا يغفل عنه لحظة واحدة .... فكلامه السابق وأخلاقه الماضية ليست قرآنا يتلى لن يتغير مع مرور الزمن بل قد يستحق الرجل الثناء اليوم وغداً يحتاج منا النقد والتقريع فلا يجب أن نحرمه من الاثنين معاً ... فعندما يشعر هذا المسئول بأن لا أحد يراقبه ولا يشغل رأسه بما يفعل فسيخرج المارد الكامن في نفسه ليتحكم في البشر ويستبد عليهم ويفرض عليهم قانون قوته .... وعندما يخرج المارد من القمقم فلن يدخل مرة أخرى إلا ببحور من الدماء قد لا تنتهي وقد يذهب الرجل شهيداً وبطلاً !!.. نعم قد يتحول الديكتاتور إلي شهيداً وبطلاً فهو ليس إنسان طبيعي يحمل بين جنباته خجلاً وندماً ... ولا يتمتع بالشجاعة عندما يخطئ بل هو يهرب ويختبئ معتمداً على أن الناس تنسى ... ومعتمداً على تغير المواقف . وعلى آلة إعلامية رهيبة تسانده وتدعمه .

ليست هناك تعليقات: