المتابعون

السبت، سبتمبر 09، 2017

أبو فراس الحمداني (فارس السيف والقلم)




ورد في “وفيات الأعيان” لابن خلكان:
هو أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان-وسيأتي تتمة نسبه عند ذكرهما إن شاء الله تعالى-؛ قال الثعالبي في وصفه: كان فرد دهره، وشمس عصره، أدباً وفضلاً، وكرماً ومجداً، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر، بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة، ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد اشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام.
وكان الصاحب بن عباد يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرأ القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيباً له وإجلالاً، لا إغفالاً وإخلالاً. وكان سيف الدولة يعجب جداً بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته وستخلفه في أعماله.
وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها، وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه، ونقلته إلى خرشنة، ثم منها قسطنطينية، وذلك في سنة ثمان. وأربعين وثلثمائة، وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين.
قلت: هكذا قال أبو الحسن علي بن الزراد الديلمي، وقد نسبوه في ذلك إلى الغلط، وقالوا: أسر أبو فراس مرتين، فالمرة الأولى بمغارة الكحل في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، وما تعدوا به خرشنة، وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها، وفيها يقال: إنه ركب فرسه وركضه برجله، فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات، والله أعلم، والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة إحدى وخمسين، وحملوه إلى قسطنطينية. وأقام في الأسر أربع سنين، وله في السر أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه. وكانت مدينة منبج إقطاعاً له، ومن شعره:
قد كنت عدتي التي أسطو بهـا
ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بضد ما أملـتـه
والمرء يشرق بالزلال البـارد
فصبرت كالولد التقي لـبـره
أغضى على ألم لضرب الوالد
وله أيضاً:
أساء فزادته الإساءة حظـوة
حبيب على ما كان منه حبيب
يعد علي الواشـيان ذنـوبـه
ومن أين للوجه الجميل ذنوب
وله أيضاً:
سكرت من لحظه لا من مدامته
ومال بالنوم عن عيني تمايلـه
فما السلاف دهتني بل سوالفـه
ولا الشمول ازدهتني بل شمائله
ألوى بعزمي أصداغ لوين له
وغال قلبي بما تحوي غلائله
ومحاسن شعره كثيرة.
وقتل في واقعة جرت بينه وبين موالي أسرته في سنة سبع وخمسين وثلثمائة.
ورأيت في ديوانه أنه لما احضرته الوفاة كان ينشد مخاطباً ابنته:
أبنـيتـي لا تـجـزعـي كل الأنـام إلـى ذهـاب
نوحي علـي بـحـسـرة من خلف سترك والحجاب
قولي إذا كـلـمـتـنـي فعييت عن رد الجـواب
زين الشبـاب ابـو فـراس لم يمتع بالـشـبـاب
وهذا يدل على أنه لم يقتل، أو يكون قد جرح وتأخر هوته، ثم مات من الجراحة وقيل إن هذا الشعر قاله وهو أسير في أيدي الروم، وكان قد جرح ثم أسر ثم خلص من الأسر، فداه سيف الدولة مع من فودي من أسرى المسلمين.

ليست هناك تعليقات: